كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن أقواه عند القائلين به- آثار التعزية حين توفي النَّبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر ابن عبد البر في تمهيده عن علي رضي الله عه قال: لما توفي النَّبي صلى الله عليه وسلم وسجى بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. السلام عليكم أهل البيت {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت} [العنكبوت: 57] الآية. إن في الله خلقًا من كل هالك، وعوضًا من كل تالف، وعزاء من كل مصيبة- فبالله فثقوا، وإياه فارجو. فإن المصاب من حرم الثواب. فكانوا يرون أنه الخضر عليه السلام. يعني أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم. انتهى بواسطة نقل القرطبي في تفسيره.
قال مقيده عفا الله عنه: والاستدلال على حياة الخضر بآثار التعزية كهذا الأثر الذي ذكرنا آنفًا- مردود من وجهين:
الأول- أنه بم يثبت ذلك بسند صحيحز قال ابن كثير في تفسيره: وحكى النووي وغيره في بقاء الخضر إلى الآن، ثم إلى يوم القيامة قولين، ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه. وذكروا في ذلك حكايات عن السلف وغيرهم. وجاء ذكره في بعض الأحاديث، ولا يصح شيء من ذلك. وأشهرها حديث التعزية وإسناده ضعيف اهـ. منه.
الثاني- أنه على فرض أن حديث التعزية صحيح لا يلزم من ذلك عقلًا ولا شرعًا ولا عرفانًا أن يكون ذلك المعزي هو الخضر. بل يجوز أن يكون غير الخضر من مؤمني الجن. لأن الجن هم الذين قال الله فيهم: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27]. ودعوى أن ذلك العزي هو الخضر تحكم بل دليل. وقولهم: كانوا يون أنه الخضر ليس حجة يجب الرجوع إليها. لاحتمال أن يخطؤوا في ظنهم، ولا يدل ذلك على إجماع شرعي معصوم، ولا متمسك لهم في دعواهم أنه الخضر كما ترى.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لي رجحانه بالدليل في هذه المسالة أن الخضر ليس بحي بل توفي، وذلك لعدة أدلة:
الأول- ظاهر عموم قوله: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون} [الأنبياء: 34]، فقوله: {لبشر} نكرة في سياق النفي فهي تعم كل بشر من قبله.
والخضر بشر من قبله. فلو كان شرب من عيرن الحيان وصار حيًا خالدًا إلى يوم القيامة لكان الهل قد جعل لذلك البشر الذي هو الخضر من قبله الخلد.
الثاني- قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تبعد في الأرض» فقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا هناد بن السري، حدثنا ابن المبارك عن عكرمة بن عمار، حدثني سماك الحنفي قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر- ح وحدثنا زهير بن حرب واللفظ له، حدثنا عمر بن يونس الحنفي، حدثنا عكرمة بن عمار، حدثني أبو زميل هو زميل الحنفي، حدثني عبد الله بن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة رجلًا. فاستقبل النَّبي صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يده فجعل يعتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني. اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» فما زال يهتف بربه مادًا يديه مستقبل القبله حتى سقط رداؤه عن منكبيه. فأتاه أبو بكر فأخذ رداؤه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] فأمده الله بالملائكة.. الحديث. ومحل الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تعبد في الأرض» فعل سياق النفي فهو بمعنى: لا تقع عبادة لك في الأرض، لأن الفعل ينحل عن مصدر وزمن عند النحويين.
وعن مصدر ونسبة وزمن عند كثير من البلاغيين. فالمصدر كامن في مفهومه إجماعًا، فيتسلط عليه النفي فيؤول إلى النكرة في سياق النفي، وهو من صيغ العموم كما تقدم إيضاحه في سورة: بني إسرائيل وإلى كون الفعل في سياق النفي والشرط من صيغ العموم أشار في مراقي السعود بقوله عاطفًا على ما يفيد العموم:
ونحو لا شربت أو إن شربا ** واتفقوا إن مصدر قد جلبا

فإذا علمت أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «إن تهلك هذه العصابة لا تبعد في الأرض» أي لا تقع عبادة لك في الأرض.
فاعلم أن ذلك النفي يشمل بعمومه وجود الخضر حيًا في الأرض، لأنه على تقدير وجوده حيًا في الأرض فإن الله يعبد في الأرض. ولو على فرض هلاك تلك العصابة من أهل الإسلام. لأن الخضر ما دام حيًا فهم يعبد الله في الأرض. وقال البخاري في صحيحه: حدثني محمد بن عبد الله بن حوشب حدثنا عبد الوهاب، حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: «اللهم أنشدك عهدك ووعدك. اللهم إن شئت لم تعبد في الأرض» فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك! فخرج وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} فقوله صلى الله عليه وسلم في هذه الحديث: «اللهم إن شئت لم تبعد في الأرض» أي إن شئت إهلاك هذه الطائفة من أهل الإسلام لم تعبد في الأرض. فيرجع معناه إلى الرواية التي ذكرنا عن مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد بينا وجه الاستدلال بالحديث عن وفاة الخضر.
الثالث- إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه على راس مائة سنة من الليلة التي تكلم فيها بالحديث لم يبق على وجه الأرض أحد ممن هو عليها تلك الليلة، فلو كان الخضر حيًا في الأرض لما تأخر بعد المائة المذكورة. قال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثنا محمد بن رافع. وعبد بن حميد، قال محمد بن رافع: حدثنا، وقال عبد: أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن الزهري، أخبرني سالم بن عبد الله وأبو بكر بن سليمان: أن عبد الله بن عمر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته. فلما سلم قال فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على راس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهرها أحد» قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة. وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يبقي ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد»، يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن حدثني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب، ورواه الليث عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، كلاهما عن الزهري بإسناد معمر كمثل حديثه، حدثني هاون بن عبد الله، وحجاج بن الشاعر قالا: حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت النًّبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بشهر: «تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله. وأقسم الله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة» حدثنيه محمد بن حاتم، حدثنا محمد بن بكر، أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد ولم يذكر «قبل موته بشهر».
حدثني يحيى بن حبيب، ومحمد بن عبد الأعلى، كلاهما عن المعتمر قال ابن حبيب، حدثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي حدثنا أبة نضرة عن جابر بن عبد الله عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك قبل موته بشهر أو نحو ذلك: «ما من نفس منفوسة اليوم تأتي علها مائة سنة وهي حية يومئذ» وعن عبد الرحمن صاحب السقاية، عن جابر بن عبد الله عن النَّبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك. وفسرها عبد الرحمن قال: نقص العمر. حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا سليمان التيمي بالإسنادين جميعًا مثله. حدثنا ابن نمير، حدثنا أبو خالد عن داود واللفظ له ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سليمان بن حيان عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: لما رجع النَّبي صلى الله عليه وسلم من تبوك سألوه عن الساعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تأتي مائة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم» حدثني إسحاق بن منصور، أخبرنا أبو الوليد، أخبرنا أو عوانة عن حصين عن سالم عن جابر بن عبد الله قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «ما من نفس منفوسة تبلغ مائة سنة» فقال سالم: تذاكرنا ذلك عندهك إنما هي كل نفس مخلوقة يومئذ اهـ.- منه بلفظه.
فهذا الحديث الصحيح الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر، وجابر، وأبو سعيد- فيه تصريح النَّبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا تبقى نفس منفوسة حية على وجه الأرض بعد مائة سنة. فقوله: «نفس منفوسة» ونحوها من الألفاظ في روايات الحديث نكرة في سياق النفي فهي تعم كل نفس مخلوقة على الأرض. ولا شك أن ذلك العموم بمقتضى اللفظ يشمل الخضر، لأنه نفس منفوسة على الأرض. وقال البخاري في صحيحهك حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: حدثني سالم بن عبد الله بن عمر، وأبو بكر بن أبي حثمة أن عبد الله بن عمر قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قال النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن راس مائة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة: وإنما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى من هو اليوم على ظهر الأرض» يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن- انتهى منه بلفظه. وقد بينا وجه دلالته على المراد قريبًا.
الرابع- أن الخضر لو كان حيًا إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم لكان من أتباعه، ولنصره وقاتل معه، لأنه مبعوث إلى جميع الثقلين الإنس والجن.
والآيات الدالة على عموم رسالته كثيرة جدًا، كقوله تعالى: {قُلْ يا أيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]، وقوله: {تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1]، وقوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ} [سبأ: 28] ويوضح هذا أنه تعالى بين في سورة: آل عمران: أنه أخذ على جميع النَّبيين الميثاق المؤكد أنهم إن جاءهم نبينا صلى الله عليه وسلم مصدقًا لما معهم أن يؤمنوا به وينصوره، وذلك في قوله: {وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي قالوا أَقْرَرْنَا قَالَ فاشهدوا وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشاهدين فَمَنْ تولى بَعْدَ ذلك فأولئك هُمُ الفاسقون} [آل عمران: 81-82].
وهذه الآية الكريمة على القول بأن المراد بالرسول فيها نبينا صلى الله عليه وسلم، كما قاله ابن العباس وغيره- فالأمر واضح. وعلى أنها عامة فهو صلى الله عليه وسلم يدخل في عمومها دخولًا أوليًا. فلو كان الخضر حيًا في زمنه لجاءه ونصره وقاتل تحت رايته. ومما يوضح أنه لا يدركه نبي إلا اتبعه ما رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والبزار من حديثث جابر رضي الله عنه: أن عمر رضي الله عنه أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم بكتاب اصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه فغضب وقال: «لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، او بباطل فتصدقوا به. والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني» اهـ. قال ابن حجر في الفتح: ورجاله موثوقون، إلا أن في مجالد ضعفًا. وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تاريخه بعد أن ساق آية آل عمران المذكورة آنفًا مستدلا بها على أن الخضر لو كان حيًا لجاء النَّبي صلى الله عليه وسلم ونصره- ما نصه: قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيًّا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذها على أمته الميثاق لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمنن به وينصرونه- ذكره البخاري عنه اهـ.
فالخضر إن كان نبيًا أو وليًا فقد دخل في هذا الميثاق. فو كان حيًا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه، يؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه. لأنه إن كان وليًا فالصديق أفضل منه. وإن كان نبيًا فموسى أفضل منه.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده: حدثنا شريح بن النعمان، حدثنا هشيم أنبأنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني» وهذا الذي يقطع به ويعلم م الدين علو الضرورة.. وقد دلت هذه الآية الكريمة: أن الأنبياء كلهم لو فرض أنهم أحياء مكلفوه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانوا كلهم أتباعًا له وتحت أوامره، وفي عموم شرعه. كما صلوات الله وسلامه عليه لما اجتمع بهم الإسراء رفع فوقهم كلهم، ولما هبطوا معه إلى بيت المقدس وحانت الصلاة أمره جبريل عن أمر الله أن يؤمهم. فصلى بهم في محل ولايتهم ودار إقامتهم. فدل على أنه الإمام الأعظم، والرسول الخاتم المبجل المقدم- صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجميعن.
فإذا علم هذا، وهو معلوم عند كل مؤمن- علم أنه لو كان الخضر حيًا لكان من جملة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وممن يقتدى بشرعه لا يسعه إلا ذلك. هذا عيسى ابن مريم عليه السلام إذا نزل في آخر الزمان يحكم بهذه الشريعة المطهرة، لا يخرج منها ولا يحيد عنها، وهو أحد أولي العزم الخمسة المرسلين، وخاتم أنبياء بني اسرائيل. والمعلوم أن الخضر لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن النفس إليه- أنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم واحد، ولم يشهد معه قتالًا في مشهد من المشاهد. وهذا يوم بدر يقول الصادق المصدوق فيما دعا به ربه عز وجل واستنصره واستفتحه على من كفره: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تبعد بعدها في الأرض» وتلك العصابة كان تحتها سادة المسلمين يومئذ، وسادة الملائكة حتى جبريل عليه السلام. كما قال حسان بن ثابت في قصيدة له في بيت يقال بأنه أفخر بيت قالته العرب:
وببئر بدر إذ يرد وجوههم ** جبريل تحت لوائنا ومحمد

فلو كان الخضر حيًا لكان وقوفه تحت هذه الراية أشرف مقاماته، وأعظم غزواته. قال القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن الفرء الحنبلي: سئل بعض أصحابنا عن الخضر ها مات؟ فقال: نعم. قال: وبلغني مثل هذا عن أبي طاهر بن العبادي قال: وكان يحتج بانه لو كان حيًا لجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- نقله ابن الجوزي في العجالة. فإن قبل: فهل يقال إنه كان حاضرًا في هذه المواطن كلها ولك لم يكم أحد يراه؟ فالجواب أن الأصل عدم هذا الاحتمال البعيد الذي يلزم منه تخصيص العمومات بمجرد التوهمات. ثم ما الحامل له على هذه الاختفاء؟ وظهوره أعظم لأجره، وأعلى في مرتبته، وأظهر لمعجزته. ثم لو كان باقيًا بعده لكان تبليغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديث النبوية، والآيات القرآنية، وإنكاره لما وقع من الأحاديث المكذوبة، والروايات المقلوبة، والآراء البدعية، والأهواء العصبية، وقتاله مع المسلمين في غزواتهم، وشهوده جمعهم وجماعاتهم، ونفعه إياهم، ودفعه الضرر عنهم مما شواهم، وتسديده العلماء والحكام، وتقريره الأدلة والأحكام- أفضل مما يقال من كونه في الأمصار، وجوبه الفيافي والأقطار، واجتماعه بعباد لا تعرف أحوال كثير منهم، وجعله كالنقيب المترجم عنهم؟!